بسم الله الرحمن الرحيم
هل برامج التدريب الحالية تستجيب لمتطلبات المرحلة؟!

كتبت في العام 2020 في هذه الجريدة الرائدة مقالا بعنوان «مستقبل الأعمال سيميل لصالح المهارات على الشهادات» تضمن الإشارة إلى مستجدات العصر وإلى أهمية التركيز على بناء المهارات لدى الشباب، وأن سوق العمل المستقبلي سيكون من نصيب المهنيين ممن تسلحوا بمهارات العصر والذين سيحصدون فرصا وظيفية أكثر من حملة الشهادات.
والمتتبع لمستجدات المرحلة بما فيها تطورات الذكاء الاصطناعي وذكاء الأعمال والرقمنة ومتطلبات الثورة الصناعية الخامسة وانعكاس ذلك على متطلبات سوق العمل الحالية يدرك أن التوقع السابق كان في محله.
لقد حصد المهاريون معظم وأهم الوظائف المتوفرة التي أنتجتها البرامج التنموية في المملكة بصرف النظر عن الشهادات العلمية التي يحملونها. ومع أن الدراسة النظامية والشهادات العلمية أصل في التنمية البشرية وأساس قوي لمواجهة تحديات الحياة بشكل عام إلا أن الشهادات العلمية – رغم أهميتها – لم تعد وحدها كافية لممارسة الأعمال في الفترة الحالية ومواجهة تحدياتها، ولابد أن تتكامل مع التمكين والتسلح بمهارات تطبيقية حديثة.
من المعروف أن المملكة تعتبر من أكثر الدول استثمارا في التعليم وهو تعليم مجاني في كافة مراحله. ويقدر متوسط التكلفة الإجمالية للطالب في المدارس الحكومية في المملكة من مقاعد الروضة حتى التخرج من الجامعة بمبلغ يتجاوز خمسمائة ألف ريال للفرد ويصل في بعض الفترات إلى 550.000 وذلك عند اتمامه جميع مراحل الدراسة بنجاح.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل استثماراتنا في تدريب النشء وتمهير الجيل الجديد من حيث الكم والكيف تنسجم مع الاحتياجات التنموية التي تعيشها المملكة؟ المملكة تعيش فترة تاريخية فيما يتعلق ببرامج التنمية الوطنية وهو ما عزز ويعزز الطلب على قدرات مهنية عالية وكثيرة.. فحاجتنا لتعزيز المهارات التقنية بكافة أبعادها من الذكاء الاصطناعي إلى ذكاء الأعمال والتحول الرقمي ومتطلبات الثورة الصناعية الخامسة وتوفير قادة محترفين لإدارة برامج ومشاريع التنمية المختلفة واستثمار الفرص المتاحة في قطاعي الأعمال والحكومة لم يعد خيارا بل أصبح ضرورة تفرضها مستجدات المرحلة. ويبقى السؤوال الأهم هنا عن نوع التدريب المطلوب وكنهه ومحتواه وشكله.
وفضلا عن الجهود الحثيثة التي تقوم بها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وخاصة ما تقوم به الإدارة العامة للتدريب الأهلي في الفترة الأخيرة والتي تؤكد الرغبة الصادقة في تطوير القطاع، إلا أن المفهوم العام عن التدريب والبرامج التدريبية القائمة في كثير من الأجهزة عامة وخاصة تحتاج إلى مراجعة شاملة.
المتتبع لبرامج التدريب في كثير من الجهات يلاحظ انها مازالت تعيش حقبة الماضي بأنماطه الإدارية التقليدية وبرامجه التنموية وبيئته العاطفية.. وهو أمر لم ولن يخدمنا في بناء قدرات بشرية تساهم في الاستجابة لمتطلبات الحاضر واستشراف المستقبل بل والمساهمة في صياغته. حتى على افتراض أنها ساهمت في تعزيز القدرات البشرية في الماضي فإن ذلك لا يعني انها ستساعدنا على تحقيق اهدافنا الحاضرة فضلا عن المستقبلة، فكما يقال «الذي أوصلك إلى ما انت فيه لن يوصلك إلى ما تبتغية» نحتاج إلى مهارات جديدة وومكنات حديثة تستجيب لمستجدات المرحلة. معظم برامج التدريب الحالية والتي تعدها الجهات لمنسوبيها تتضمن برامج تقليدية عفى عليها الزمن وهي عبارة عن دورات تقليدية مكررة لا تتناسب ومعطيات المرحلة والتقدم التقني وعصر الذكاء الاصطناعي وذكاء الأعمال ومتطلبات الثورة الصناعية الخامسة ..إلخ.. وهي في معظمها تمثل هدرا للمال والجهد والوقت وتساهم مساهمة محدودة جدا في تمكين النشء وتهيئتهم للمساهمة الفاعلة في إدارة برامج التنمية وتحقيق أهدافها.
لسنا هنا بصدد استعراض هذه الدورات والبرامج ولا تسعفنا المساحة المتاحة للكتابة لطرح برامج التمكين الحديثة. والمطلوب في نظر الكاتب يتلخص فيما يلي:
أولاً: التركيز على تمهير وتدريب وتمكين النشء وتخصيص الموارد اللازمة لذلك وعدم الاعتماد على مخرجات التعليم فقط فتحديات التنمية ومتطلبات سوق العمل تميل لصالح المتسلحين بالمهارات التطبيقية الحديثة أكثر من اعتمادها على ثقافة حاملي الشهادات العلمية فقط.
ثانياً: إعادة هيكلة قطاع التدريب كاملا من حيث المضمون والشكل وصياغة برامج تمكين حديثة تخدم المهارات الإدارية والتقنية التي تتطلبها مستجدات المرحلة وتحدياتها.
والله من وراء القصد
هل برامج التدريب الحالية تستجيب لمتطلبات المرحلة؟!
* نشر بتاريخ 22/05/2025 في جريدة الجزيرة.
- سيعجبك أيضاً