بسم الله الرحمن الرحيم

مستقبل العقار.. قراءة غير علمية

كثرت في هذه الأيام التنبؤات فيما يتعلّق بمستقبل سوق العقار بين مغال في توقع انخفاض الأسعار بنسبة تصل إلى 50 % ومتشائم يتوقّع ارتفاع الأسعار بنسب عالية. والمتتبع لما يتم طرحه إعلامياً يلاحظ أن معظم الطروحات تمثّل آراءً شخصية حدية لا تستند إلى دراسة علمية أو تحليل منهجي، وهي أشبه ما تكون بحديث المجالس أو الهواجس والأحلام. وفي واقع الأمر أن العقار قطاع رئيس يتأثر بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية كالعرض والطلب والوضع الاقتصادي وتكلفة التمويل وأسعار الطاقة والقوة الشرائية ومستوى النمو السكاني … إلخ.

سأحاول في هذه المساحة المحدودة قراءة مستقبل سوق العقار من خلال منهج أزعم أنه بعيد عن العاطفة والعموميات. لا ادعي بأنه منهج علمي ولكنه اجتهاد في تحاشي التوقعات الحدية والعاطفية البعيدة عن الواقع والتي لا تؤيّدها المعطيات الحالية.

ومن حيث المبدأ فإنه يبدو للفقير إلى ربه – من خلال معطيات المرحلة – استبعاد حدوث تغير جذري راديكالي في المستقبل المنظور، سواء ارتفاع حاد أو انخفاض جوهري في أسعار العقار، يؤيد ذلك المعطيات التالية:

أولاً: يستبعد أن ترتفع الأسعار بشكل حاد في المستقبل القريب للأسباب التالية:

1. ارتفاع تكلفة التمويل وارتفاع أسعار الفائدة محلياً وعالمياً وهو ما يعني ارتفاع تكلفة الشراء وتراجع الإقبال على المعروض.

2. محدودية القوة الشرائية لدى نسبة كبيرة من الراغبين في الحصول على العقار. وللتذكير فإن قانون العرض والطلب هنا يجب أن لا ينظر إليه مجرداً على إطلاقه، وإنما في ظل القدرة الشرائية للراغبين في التملك، حيث إن الطلب الحقيقي يساوي: حجم الطلب ÷ نسبة القادرين على الشراء منهم.

3. ارتفاع أسعار العقار حالياً بدرجة غير محتملة اقتصادياً، مما يؤيّد القول بعدم ارتفاعه بدرجة كبيرة في المستقبل القريب.

4. محدودية عدد سكان المملكة مع توفر مساحات شاسعة صالحة للإسكان في محيط المدن والتجمعات السكانية القائمة. وبالتالي فإن قانون الندرة لا يمكن إعماله في هذه الحالة.

5. حدوث تغيّر في الأنماط الاجتماعية، حيث يلاحظ ميل الجيل الجديد إلى تفضيل السكن في وحدات سكنية محدودة المساحة.

6. كثرة المباني والوحدات السكنية التي تم إنشاؤها خلال الثلاث السنوات الماضية.

7. توقع انتشار السكان بشكل لا مركزي بسبب توزيع برامج التنمية والمنشآت الحيوية كالجامعات والمدن الجديدة والمناطق السياحية.

ثانياً: في المقابل يستبعد أن تنخفض الأسعار بشكل حاد أيضاً في المستقبل القريب للأسباب التالية:

1. التضخم العالمي والمحلي في الأسعار وارتفاع أسعار النفط.

2. ارتفاع تكاليف إنشاء المباني السكنية المعروضة للبيع المنشأة حديثاً.

3. التوجه نحو زيادة سكان المملكة.

4. دعم وتشجيع الاستثمار الخارجي وافتتاح مقار للشركات العالمية في المملكة.

5. ازدياد النمو على طلب المساكن والذي قد يصل إلى مائتي ألف سنوياً بسبب التركيبة الديموغرافية للمجتمع (ارتفاع نسبة الشباب).

6. التوجه نحو إزالة مباني الأحياء العشوائية القديمة وغيرها لمتطلبات المصلحة العامة.

ثالثاً: استناداً إلى المعطيات الواردة في أولاً وثانياً وغيرهما مما لا يتسع المجال لذكره فإن أمامنا ثلاثة احتمالات:

الأول: هو بقاء الأسعار على ما هي عليه.

الثاني: هو انخفاضها ولكن بشكل محدود بين 5 – 20 %.

الثالث: هو ارتفاعها في نطاق ضيق جداً لا يتعد 10 %.

ويبقى السؤال قائماً وهو: ما هو الاحتمال الأرجح؟ أعتقد أنه من المناسب تقسيم توقعات السوق إلى مرحلتين زمنيتين. ففي المنظور القريب (بحدود ثلاث سنوات) يبدو أن الاحتمال الثاني هو الأقرب في ظل المعطيات المحلية والعالمية. أما فيما بعد العام 25 فإن التوقع سيكون صعباً جداً، وذلك في ظل احتمال حدوث تغيير جذري في هيكلة الاقتصاد الدولي والذي ربما يفضي إلى زلزال اقتصادي على الساحة العالمية وتغير جوهري في الاقتصاديات وفي موازين القوى العالمية.

فالاقتصاد العالمي يعاني من تحديات جوهرية تم استعراضها في المقال السابق بما فيها تزايد الديون العالمية نسبة إلى الموجودات والتي أصبحت تمثّل 353 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي وهو ما يمثّل تهديداً قوياً للاقتصاديات.

وقد حذَّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في حوار له مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» من أزمة ديون عالمية تهدد بموجة من الفقر والجوع والاضطرابات الاجتماعية والصراعات في الدول النامية حول العالم.

وربما يشهد العالم حينئذ إعادة هيكلة كلية للاقتصاد والتجارة العالميين. ومن ثم فإنه من الصعب توقع مستقبل سوق العقاري على المدى البعيد خاصة في ظل تسارع المستجدات والمتغيّرات على الساحة الاقتصادية العالمية. ويستحسن أن تقتصر قراءاتنا لهذا القطاع الحيوي على المدى المنظور القريب جداً كما ورد في (ثالثاً) أعلاه.

هذه قراءة غير علمية لقطاع العقار المحلي ولكنها تفتح مساحة للدراسة والبحث وقراءة مستقبل العقار بمنهج علمي أكثر موضوعية.

والله الهادي إلى سواء السبيل،،،

مستقبل العقار.. قراءة غير علمية

  • نشر بتاريخ  08/09/2022 في جريدة الجزيرة.

د. فهد بن صالح السلطان

اترك رد