بسم الله الرحمن الرحيم

معاداة الإنسانية: مشروع «ما بعد الإنسان»

مشروع يختلف عن كل المشاريع في التاريخ البشري، يختلف في طبيعته وكنهته وأداته وأخلاقيته وأهدافه. يستند المشروع على إستراتيجية وبرنامج عمل شامل يهدف إلى شن حرب على الإنسان لا لسبب سوى أنه إنسان. حرب ظاهرها البناء وباطنها الهدم، حرب يدعي أنصارها التطوير ويهدفون إلى الباطل والفساد في الأرض! وهم بهذا يشبهون المنافقين في عهد الطهر حينما يبنون مسجداً يراد به الضرار والفساد.. فكلا الفريقين يبنون بهدف الهدم.. يبنون أبنية حسية بهدف الهدم المعنوي الناعم.. يعبثون في الجسم والعقل بهدف القضاء على الروح!

وهنا أهم الوقفات في مشروع «ما بعد الإنسان»:

1 – ظهر مفهوم «ما بعد الإنسان» Transhumanism بشكل جلي في كتاب «ما بعد الإنسان» للكاتبة روزي بريدوتي والذي ركز على الجدل المتصاعد حول نظرية ما بعد الإنسان، وكيف انفجر مفهوم الإنسان تحت ضغط مزدوج من التقدم العلمي والمخاوف الاقتصادية العالمية. تشير الباحثة والفيلسوفة الأسترالية – الإيطالية المعاصرة روزي بريدوتي في مؤلفها المعنون بـ»ما بعد الإنسان». إلى أنه بعد تدفق نظريات ما بعد الحداثة، وما بعد الاستعمار، وما بعد الصناعة، وما بعد الشيوعية. ظهر على السطح نظرية ما بعد الإنسان والذي يدور حول مفهوم أن الإنسان قد انفجر تحت ضغط مزدوج من التقدم العلمي والمخاوف الاقتصادية.

2 – استخدام مناصري مشروع «ما بعد الإنسان» التقدم والتطور التكنولوجي الذي يفترض أن يساعد الإنسان على تحقيق أهدافه وزيادة مستوى الرفاه الاجتماعي، استخدموه في الإساءة للإنسان نفسه وانتقاصه وزعزعة ثقته في نفسه ومحاولة تحويله إلى آلة.. والترويج للقدرات الخارقة للذكاء الاصطناعي، وأن قدراته تفوق عقلية الإنسان وأنه يستطيع التفكير بشكل عقلاني أفضل من الكائن البشري. وذلك كما في أعمال كات راتسوال أحد رواد ما يُسمى بمشروع «ما بعد الإنسان» والذي يرى في كتاباته أنه لن يكون هناك فرق بين الإنسان والآلة أو بين الواقع Reality والواقع الافتراضي Virtual Reality.

(أرجو أن لا يفهم من هذا الطرح انتقاص التقدم العلمي والتكنولوجي بما في ذلك الذكاء الاصطناعي AI وذكاء الأعمال BIوالرقمنة وما جاءت به الثورة الصناعية الرابعة من إبداعات تقنية وغيرها، فنحن مطالبون بالعمل بكل الوسائل للإفادة منها واستخدامها بشكل إيجابي لما يخدم مجتمعنا والبشرية كافة).

3 – عمل هؤلاء على زعزعة الإنسان والتلاعب بجسده من خلال العبث البيولوجي، وبعقلة من خلال محاربة معتقده وتشكيكه بعبوديته للخالق ودعم الإلحاد ومحاربة التوحيد ومعاداة الأديان والطعن في القيم والمبادئ. وفي المقابل الترويج لحرية الرأي والاختيار (وهي كلمات حق أريد بها باطل).

4 – محاربة الإيمان والجانب الروحاني من الإنسان والترويج على أن الإنسان مكون من خلايا بيولوجية مادية فقط تنمو وتحيا بالمكملات الغذائية المحسوسة، وأنه أي الإنسان مخلوق حيواني يؤدي وظائف مادية فقط، ينتهي دوره في الحياة بتقادم واستهلاك أعضائه وخلاياه الجسمية الحسية.

5 – تخويف البشر من خلال استعراض العضلات والقوة العسكرية كالقدرات النووية وغيرها والتمييز العنصري والتعامل مع المجتمع الدولي من خلال مكيالين استناداً إلى الدين والعرق، وشن الحروب، والتركيز على قتل الشباب والأطفال خاصة ممن يخالف مبادئهم وقيمهم والعمل على القفز على المواثيق الأممية والقوانين الدولية.

6 – تيسير وتشريع انتشار واستخدام المخدرات والمسكرات كالمروانة وغيرها بدعوى حرية الاختيار وبهدف إفساد العقول وإضعاف قوة وفاعلية المعتقدات والأديان في تقويم سلوك البشر والتأثير عليهم.

7 – محاربة التكوين الأسري باعتبار أن الأسر تمثّل النواة الأساسية للأمم، حتى أضحت الأسرة تمثل الهدف الأول لهم والركيزة الاجتماعية الأقوى والجبهة المستعصية. أما أسلحة الحرب عليها فتأخذ عدة أشكال منها تأسيس برنامج التحول الجنسي والشذوذ ودعمه بدعوى حرية الاختيار وحرية الرأي حتى لدى الأطفال القصر، وتشجيع الإجهاض ودعم استقلالية المرأة بكل الوسائل والحد من الإنجاب وتفكيك الأسرة ومحاربة التكافل بين أفراد الأسرة.

8 – تشجيع استقلالية الأطفال القصّر في الفكر والثقافة وحرية الدين وحرية الجنس والتعليم والتربية … إلخ وفي المقابل محاولة التأثير عليهم وتربيتهم وتوجيه أفكارهم من خلال البرامج المؤدلجة والترويج لها في مختلف وسائل الإعلام وغيرها.

9 – الاستماتة في محاولة إذابة الأديان في دين واحد وصولاً إلى غايات خبيثة تهدف إلى إذابة الدين الإسلامي وإضعافه. ذاك لأنهم أدركوا أن الإسلام هو الدين الأقوى وهو الدين السليم الذي لم يعتريه أي تحريف والأخطر على كل المشاريع الهدامة. والذي يحمل لوائه وطننا الكريم ويرتبط به ارتباطاً عضوياً حسياً ومعنوياً، فنحن بيت الدين الإسلامي ومهده ومنشأ رسالته.. كما أدرك هؤلاء وأغاظهم وأخافهم أن هذه قوة لا تضاهيها قوة على كوكب الأرض ولم ولن ينازع المملكة عليها أحد حتى تقوم الساعة.

10 – استخدام كافة الوسائل الحسية والناعمة وأهمها البحوث العلمية والتقدم التكنولوجي التي يلاحظ التركيز عليها في العقدين الماضيين، بالإضافة إلى الأدوات الاقتصادية والوسائل الإعلامية لخدمة الأيديولوجيات والترويج لهذا المشروع الكبير. وباختصار فإن المشروع برمته يهدف إلى التحول من المجتمع الإنساني إلى المجتمع اللا إنساني. وبلغة واضحة «الخلاص من الإنسانية».. خلاصاً يخلص من القيم والمبادئ والدين ويُفضي إلى الحرية البهيمية.

وختاماً فإن الحمد كله لله الذي منَّ على هذا البلد بقيادة صلبة متينة كانت ولا تزال تمثّل سداً منيعاً ضد أي توجهات أو أيديولوجيات مناهضة للفطرة والقيم والمبادئ، كما منَّ الله على هذا البلد بمجتمع اصطف ويصطف خلف قيادته في وجه كل الحروب حسية كانت أو ناعمة مناقضة للفطرة ولعقيدته ودستوره.

حفظ الله لنا ديننا وقادتنا وشعبنا.

 

معاداة الإنسانية: مشروع «ما بعد الإنسان»

* نشر بتاريخ  21/01/2024  في جريدة الجزيرة.

د. فهد بن صالح السلطان

اترك رد