بسم الله الرحمن الرحيم

الحياة في بيئة ملتهبة

وطن أمن وأمان وسلم وسلام يحتضن مكة والظهران. فهنا الروح وهناك الثروة، وفي اجتماعهما الغنى والتمكين والنصرة والسلم والسلام. بلد تحكمه القيم والمبادئ قبل أن تطغيه المادة. بلد ريادي يملك من المقومات ما جعله محط أنظار العالم.

شاء القدر لهذا البلد الكريم أن يوجد في بيئة ملتهبة مليئة بالمنغصات. حروب حسية عسكرية وحروب ناعمة معنوية وصراعات دموية، وأيديولوجيات ومذاهب متنافرة تحيط به من كل زاوية وهو صامد كالجبال الراسخات. يصلح ما يمكن إصلاحه من فساد بعض مجاوريه، ويتوارى عن جهالة مناوئيه ويستوعب زلات أصدقائه ومحبيه ويحلم على أعدائه ويحتضن مريديه.

وقد استطاعت قيادة هذا البلد الكريم – بفضل الله – من التعامل مع هذه البيئة وتحدياتها بكل حكمة. ولكن الذي يبدو أن التحديات الإقليمية والدولية تزداد بمرور الوقت والخافي أعظم. وقد اقتضت مشيئة الخالق أن تكون حالة عدم الاستقرار هي الحالة الطاغية على جغرافية المنطقة السياسية والأيديولوجية.

ولتذكير المفرطين في التفاؤل فإن المنطقة تعيش حالة من عدم الاستقرار منذ ألفي سنة قبل الميلاد.. ليس هذا من باب التشاؤم بقدر ما هو من باب التذكير وذلك لأخذ الحيطة وترتيب الأوراق. حالة التوتر التي تعيشها بيئتنا الإقليمية والدولية تتطلب بناء استراتيجية مرنة تتعامل مع المستجدات المتسارعة بما يتناسب ومستجدات المرحلة وتحديات الفترة، وصولا إلى المحافظة على المكتسبات وتنميتها وتأصيلا للعمل الريادي.

في ظل هذه المعطيات وتعزيزا للمكانة الفريدة لهذا البلد الكريم، فقد يكون من المناسب التأكيد على المرتكزات الأساسية التالية:

1 – تبني برنامج طموح وفاعل يتضمن عددا من المبادرات لتعزيز الجبهة الداخلية – وهي صلبة أصلا بحمد الله – والتركيز عليها باعتبارها السلاح الأول ضد كافة المهددات الداخلية والخارجية، وتذكير وطمأنة المجتمع بأن دينه وقيمه ومبادئه وأعرافه ركيزة أساسية وخط احمر لا تقبل المساومة من أي كائن كان داخليا أو خارجيا وهي أعمدة أساسية قائمة – بإذن الله – ما بقي هذا الكيان شامخا وما بقيت هذه الأسرة الكريمة قائدا وراعيا لهذا البلد العظيم وأما وأبا لهذا المجتمع الكريم.

2 – تعزيز الدور الريادي للمملكة للكتلة الخليجية واستيعاب ما يصدر من بعض زواياها من منغصات أو خروج عن المسار.

3 – تعزيز الدور الريادي والقيادي للمملكة في المحور الإسلامي باعتباره بعدا استراتيجيا مهما للغاية، تنظر شعوبه وكثيرا من قياداته إلى هذا البلد الكريم على أنه وطنها الأم، وطنها الروحي الذي تفديه بأرواحها وعقولها وأجسادها. تصلي إليه وتتابع ما يصدر منه من فتاوى وتوجهات وآراء سياسية واقتصادية… الخ. تحب من يحبه وتعادي من يعاديه. وهذا وربي بُعدٌ كبير جدا ومن أقوى أوراقنا، لا ولن يملكه سوانا إلى يوم القيامة. أعداؤنا يعرفون هذا البعد كما يعرفون أبناءهم، ويتمنى كل منهم أن يحظى به ولو لعام واحد، وهو أبعد إليه من عنان السماء.

والتركيز على هذا البعد لا يتنافى أبدا مع المحافظة على صداقاتنا القائمة مع بقية دول المجتمع الدولي وبخاصة الدول العظمى ، بل يفترض أن يعزز تلك الصداقات ويدعمها وينميها. ويزيد من قوتنا التفاوضية ويعززها ويدعمها.

نحن لم نعد محطة لتزويد العالم بالوقود – كما ينظر إلينا قاصرو النظر – بل نحن مركز لصناعة وتصدير المعرفة، مركز إشعاع ونور وسلام. قلب العروبة النابض وهذا هو دورنا الذي نقوم به حاليا والذي يتناسب مع مقوماتنا المادية والروحية التي اختصنا بها الخالق، ووعدنا الخلافة في الأرض إن نحن أقمنا شعائره حق القيام بها.

الحياة في بيئة ملتهبة

* نشر بتاريخ 02/04/2021 في جريدة الجزيرة.

د. فهد بن صالح السلطان

اترك رد