بسم الله الرحمن الرحيم

مع التحية للمتقاعدين

 

 

لم أستطع استيعاب وفهم توقف الرجل عن العمل واستسلامه للدعة عند سن الستين. وقناعته بانتهاء صلاحيته وتوقف مساهمته في التنمية والتطوير والإصلاح والتعمير. يبدو أن التسمية (متقاعد) كان لها دور كبير في الدعة والتراخي والإحباط عن العمل والإنجاز. كثير منهم أخذها بمحمل الجد وكبر الوسادة كما يقولون. لعل أيضاً تسمية الجهة التي تحفظ وتستثمر حقوقهم بمؤسسة التقاعد ساهم في تأصيل المفهوم الخاطئ! السؤال المطروح: هل توقف الرجل عن العمل واستسلامه للدعة في هذا السن أمر طبيعي ومقبول وصحيح بالنسبة له ولمجتمعه؟ أم أن هذا كان نتاج مفهوم خاطئ لمجرد انتهاء فترة العقد بينه وبين الجهاز الذي يعمل فيه؟ وهل ذلك يتفق مع ما كلف به من قبل خالقه؟.

ولمحدودية علمي الشرعي فلن أخوض في مشروعية التوقف عن العمل في سن معينة للقادرين، ففي الحديث الذي رواه أحمد رضي الله عنه وغيره بإسناد صحيح: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها» الشيء الملفت في هذ الحديث الشريف أنه أكد على العمل والبناء وعمارة الأرض حتى وإن قامت القيامة وانتهى التاريخ، وليس فقط قبل وفاة الإنسان، حيث يمكن أن يقال بأن ذلك غرس لورثته! أي أن الإنسان مأمور بالعمل حتى قيام الساعة أو وفاته. كما أن الإنسان مكلف بالعبادة حتى الوفاة: «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين» الآية. والعبادة أكبر مشقة من العمل ففيها الصيام وفيها الصلاة بأوقات محددة وأركان وواجبات قد يشق على بعض المسنين أداؤها، ومع هذا كلف بها الإنسان حتى يأتيه اليقين.

يبدو أننا أغرقنا في محاكات المجتمعات الغربية في موضوع بداية تكليف الانسان ونهايته حتى في استخدامنا للفظ ومفهوم المراهقة. ففي شريعتنا ليس هناك شيء يعرف بالمراهقة وإنما بالبلوغ والرشد، فالإنسان مكلف ومسؤول حال بلوغه سن الرشد. ولذا فقد يتطلب الموضوع مراجعة الأمر في بعدي الشباب والشيب، ومن جوانبه الاقتصادية والاجتماعية.

ويبقى السؤال: ما الذي يمكن للإنسان عمله بعد نهاية عقده الوظيفي عند بلوغه سن الستين؟ وبطبيعة الحال فإنه لا يجوز للكبار مزاحمة الداخلين الجدد لميدان الأعمال من الشباب. ولكن وعلى الجانب الآخر فإنه من غير المناسب لإنسان يتمتع بالصحة والنشاط أن يتوقف عن الإنجاز لمجرد بلوغه عمراً معيناً.

وكمجتمع فإننا نخسر الشيء الكثير بسبب عدم مشاركة غالبية هذه الفئة العمرية في التنمية والإنتاج.

برامج التنمية لدينا تشهد نمواً مستمراً وتتطلب مشاركة كثير من الخبرات. الشيء الأكيد أن السعوديين وبدون أدنى شك يمتلكون تجارب وخبرات ومعارف تفوق ما يمتلكه الآخرون خاصة عرب الشمال الذين يتم استقطابهم غالباً في المشاريع الاستشارية، وذلك لأن السعوديين مروا بتجارب تفوق خبرات نظرائهم بسبب مساهمتهم في تنفيذ برامج تنموية كبيرة وتعايشهم لمراحل تنموية مختلفة.

وباختصار فإن هذه المقالة تحمل رسالتين:

الأولى للمتعاقدين المحترمين الذين ساهموا مساهمة إيجابية في تنمية وطنهم وكسب رزقهم وتنشئة من هو تحت أيديهم: تأكدوا أيها الأساتذة الأفاضل بأنكم في عمر النضج، وأن لديكم من الخبرات والمعارف ما يضيف قيمة اجتماعية واقتصادية كبيرة يحسن استثمارها وعدم التفريط فيها.

الثانية للأجهزة الحكومية والأهلية: الأمر يتطلب إيجاد بيئة عملية واجتماعية لتحفيز هذه الفئة العمرية للمشاركة في برامج التنمية وإضافة قيمة اقتصادية واجتماعية، استناداً إلى بعدين:

1 – تحفيز هذه الفئة المحترمة على الاستمرار في النشاط والعمل والإنتاج.

2 – إيجاد مجالات عملية جديدة تتناسب وتخصصاتهم وتمكننا من الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم، استثماراً لخبراتهم وتخفيفاً للأعباء الاقتصادية ودعماً للقوى العاملة المحلية.

والله من وراء القصد.

مع التحية للمتقاعدين

* نشر بتاريخ 03/06/2021في جريدة الجزيرة.

التعليقات 1

  1. كلام جميل يادكتور فانا تقاعدت عسكري وكان عمري ٥٠واحمل شهادة البكالوريوس ولازلت ولله الحمد قادر علي العطاء

    الرد

اترك رد