بسم الله الرحمن الرحيم

عالم آخر في العام 2027 (2)

ناقشت في المقال السابق بعضاً من التحديات الاقتصادية التي من المتوقع أن يواجهها المجتمع الدولي في المرحلة القريبة، ربما في الخمس سنوات القادمة معززا الطرح ببعض الحقائق والأرقام.. وفي تقديري أن ازمة الغذاء ستتصدر تلك التحديات، خاصة في حال استمرار الحرب في أوكرانيا واتجاه كثير من دول العالم الى الحد من تصدير المواد الغذائية وزيادة المخزون المحلي منها. الأمر الذي قد يفضي الى زيادة في الأسعار بسبب محدودية العرض وزيادة الطلب.

ونظراً لأن ازمة الغذاء تمثل أحد أهم التحديات المستقبلية في القرية الكونية وفي محيطنا الخليجي، فقد يكون من المناسب اخذ هذا الموضوع في الاعتبار واعطاؤه ما يستحقه من الاهتمام.

ومع يقيني من أن الجهات الحكومية قد اعدت الاستراتيجيات المناسبة للتعامل مع الأزمة المحتملة إلا أنه يحسن التذكير هنا بأهمية العمل وبشكل سريع لقراءة الموضوع من كافة جوانبه وصياغة استراتيجية مناسبة للتعامل مع ما قد يحدث.. ولعل في مقدمة الحلول التي يجب الوقوف عندها والعمل من خلالها هو الحد من الهدر في الأطعمة.. وذلك بالنظر لارتفاع نسبة الفاقد من الأطعمة لدينا. حيث تفيد الإحصائيات ان حجم الهدر من الغذاء في المملكة يصل الى 40 مليار ريال سنوياً وتبلغ نسبة الهدر 33%. وهو حجم كبير بكل المقاييس. ويقدر أن الفرد في المملكة يهدر ما يقارب 184 كجم سنويا، حيث يصل الهدر في الدقيق والخبز الى 917 ألف طن فيما يتم هدر ما مقداره 557 ألف طن من الأرز سنوياً.

ومن هنا فإن الأمر يتطلب تكاتف الجهود بين الأجهزة الحكومية المختصة والمواطنين للتعامل مع هذا التحدي أملاً في استمرار توفير الغذاء وكبح جموح الأسعار.

أولا: الجهات الحكومية المختصة: قد يكون من المناسب أن يتم النظر في الموضوع من خلال مسارين:

المسار الأول: صياغة برنامج عملي للحد من هدر الطعام، يشمل فيما يشمله:

1. وضع أنظمة لتقنين كمية الطعام في المطاعم خاصة مطاعم الأكلات الشعبية كمطاعم الرز البخاري والمندي وغيره…الخ

2. تقنين وضع قوائم الأطعمة في قاعات الاحتفالات والاعراس.. فعلى سبيل المثال يلاحظ أن كمية الهدر في نظام البوفيهات المفتوحة اقل منها في خدمة الطاولات.

3. تكثيف برامج التوعية بعدم الإسراف في المأكل والمشرب.. توعية موجهة الى الأفراد وإلى المطاعم وقاعات الأفراح والفنادق.

المسار الثاني: صياغة أنظمة لضبط جموح الأسعار.. فعلى الرغم من أن نظامنا التجاري يعمل بآلية السوق وقوانين العرض والطلب إلا أنه جرت العادة ان تتدخل الأجهزة المختصة في الظروف غير العادية أو القاهرة وتضع القوانين والقيود الصارمة التي تضبط الأسعار وتكبح جموح السوق.

ثانيا: المواطنون

1. يتوقع من رب كل اسرة اتخاذ قرار شجاع وجريء في الحد من الإسراف في موائد الطعام.. ومجتمعنا مجتمع مؤمن ولله الحمد وكلنا يعي قول الحق سبحانه (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).. فبئس العمل الذي يحرمنا من محبة الله لنا.

2. نتكلف بمعالجة المشكلة دون الاهتمام بالوقاية منها والعمل على عدم حدوثها.. نجتهد كثيرا في إيجاد أساليب وآليات لتوزيع الفائض من الأطعمة – وهذا شيء جيد – ولكن كان الأولى الاجتهاد في إيجاد وسائل تحد من وجود فائض أصلا والاسراف في كمية المائدة المقدمة.

3. الحد بقدر الإمكان من الأكل في المطاعم وعدم المبالغة في دعوة عدد كبير لحضور الحفلات والأعراس.

4. التخلص من الإسراف في ولائم الضيافة. فرضى الخالق مقدم على رضى المخلوق.

5. التأكد من أن ما يوضع على طاولة الأكل من طعام وشراب يكون بقدر الحاجة الفعلية للضيوف أو لأهل المنزل.

6. تبني أسلوب لشراء المواد الغذائية يقوم على شراء أدنى كمية منها، تلافيا للإسراف أو خسارتها بسبب انتهاء الصلاحية.

7. البعد عن التكلف فقديماً قالوا (التدبير نصف المعيشة).. الاكتفاء بالضرورات والاستغناء عما دون ذلك.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

عالم آخر في العام 2027 (2)

*نشر بتاريخ 02/06/2022 في جريدة الجزيرة.

د. فهد بن صالح السلطان

اترك رد